بقراءة سريعة وحتى دون الغوص فيما بين سطور مسودة التقرير -المعنون بأنه قراءة للخارطة السياسية للبلاد الصادر عن وزارة الداخلية واللامركزية- يتبين ضعف التشخيص وفقر المعلومات، وتنصيب زعامات وقيادات بالاسماء وكأنهم حصلوا على تزكية غير قابلة للطعن أو التشكيك.
من الواضح أن التقرير يعاني من اختلالات عديدة ليس أقلها تجاهل التوازنات والتحالفات السياسية، سواء في الأغلبية أو المعارضة، وإقصاء جهات سياسية وازنة خاصة ذات الخطاب الراديكالي كحركة إيرا، والتقليل من حجم فاعلين سياسيين كبار في عدة مقاطعات من بينهم منتخبون، بمقابل إظهار حجم سياسي كبير لمجموعات قبلية على حساب أخرى في عدة مراكز إدارية وبلديات ومقاطعات بالبلاد.
و ذلك من خلال ترويج الشائعات والأخبار المغلوطة بهدف إثارة البلبلة في أوساط المجتمع السياسي وتشويه صورة مؤسسات الدولة أمام الرأي العام، وفي ضوء ما رصدته المتابعة مؤخراً من قيام المنابر الإعلامية التابعة لجهات معارضة إيديولوجية بنشر وتحليل هذه المسودة بشكل استباقي.
إلا أن سطور هذه الوثيقة يمكن من خلالها الجزم أنه لم يأتي بجديد وأخفى الكثير، وقام معدوه بمغالطات عديدة كالزج بأسماء شخصيات سامية باعتبارهم قادة أحلاف سياسية ، في حين لم يقدم إشارات عن الاطر الحزبية والشخصيات السياسية ذات الكاريزما والقدرة على الحشد من الأسماء الغير رنانة في عالم السياسة والتي لا تعتمد على “الشو الإعلامي”.
كما يظهر من خلال التقرير إقحامه الواضح للنفس القبلي والعشائري، وتسمية قادة عسكريين، وهو ما يجعل من هذا التقرير محل شك أن يكون صادرا عن جهة حكومة، وستكون المعارضة وخاصة حزب تواصل، أكثر المستفيدين من ثغرات هذا التقرير المنسوب للداخلية.
حيث سيستفيد هذا الحزب من استغلال التقرير خلال التشاور الوطني والضغط بعناوين بارزة كاستخدام النفوذ والقبلية في السياسة، وغيرها من أوراق الضغط التي دأبت المعارضة على الصدح بها.
كما أن تسريب هذا التقرير خلال جولة يقوم بها وزير الداخلية الجديد محمد احمد ولد محمد الامين يطرح علامات استفهام عديدة، عن الجهة المستفيدة من خلق مغاضبة سياسية لأكبر أحزاب الموالاة و داخل الموالاة نفسها، حيث ينتظر أن يواجه الوزير حالة تذمر من جهات سياسية عديدة تعتبر نفسها أنه تم إقصائها بشكل كبير، رغم أن هذا التقرير تم إعداده في عهد سلفه ولد مرزوك.
كل هذه المعطيات وغيرها تجعل من هذه المسودة محل شك كبير أن تكون صادرة عن جهة حكومية، أو أن تكون من إعداد أطر وكوادر الإدارة الإقليمية المعروفة بالدقة، خاصة أن أول من قام بنشر هذا التسريب المفترض هي وسائط إعلامي محسوبة على المعارضة، كانت سباقة لنشر التعميم الذي أصدره وزير الداخلية السابق محمد سالم ولد مرزوق للإدارة الإقليمية مطالباً بإعداد تقارير عن الحالة السياسية في الولايات