بعد معاناة طويلة.. هل تحقق موريتانيا اكتفاء ذاتيا من الخضار في شهر رمضان؟
متابعات ـ خلفت جائحة كورونا وأحداث الإغلاق التي صاحبتها إحساسا عميقا لدى الموريتانيين بضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، خصوصا في الخضار التي شهدت أسواقها أزمات متعددة في السنوات الماضية أدت إلى موجة غلاء قاسية وارتفاعات حادة في أسعارها.
ووجهت الحكومة خططها لتحقيق اكتفاء ذاتي، ودعت شعبها الذي يملك أكثر من 500 ألف هكتار صالحة للزراعة، إلى الاستثمار في هذا المجال، ووعدته بدعم سخي، وتعهد المزارعون والفاعلون الاقتصاديون حينها بتحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة كبيرة إن توفر لهم الدعم والحماية لبيع منتجاتهم.
ومع اقتراب شهر رمضان المبارك استبشر السكان بكميات كبيرة من المنتجات الزراعية المحلية تدخل أسواق نواكشوط، استقبلت بحفاوة ولاقت إشادة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ المنتج الزراعي المحلي يعزز وجوده في الأسواق ويزاحم الخضروات المستوردة، مسهما ببقائها في متناول الجميع.
نتائج ملموسة
يقدر إنتاج المزارع في موريتانيا بآلاف الأطنان سنويا من الخضروات والفاكهة، وتتنوع أصناف المحاصيل لتصل إلى أكثر من 30 صنفا من الخضروات والفواكه.
ويقول إدي ولد أحمد -يعمل منذ 10 سنوات في سوق الخضار المركزي بنواكشوط- إن أكثر من 100 طن تدخل سوق الخضروات في هذه الفترة يوميا من المنتوج المحلي، من ضمنها ما يقارب 10 أصناف دائمة، وأغلبها يأتي من مزارع الضفة في الجنوب الموريتاني وتلبي احتياجات السوق بنسبة كبيرة.
وأكد الباعة الذين تحدثوا للجزيرة نت أن وفرة المواد المحلية ستستمر إلى ما بعد رمضان بشهر تقريبا، ولكن ستقل بعد ذلك عندما يشتد حر الصيف، ويرجع الناس للاعتماد على الخضار السنغالي والمغربي بشكل شبه كلي.
أما الطالب مصطفى حمادي ممثل مزرعة مورينكا بكرو(محلية) التي كانت تحط شحنة من منتجاتها في السوق والقادمة من مسافة 600 كيلومتر من العاصمة، يؤكد أنه باستطاعتهم تزويد السوق طيلة شهر رمضان بـ 15 طنا أسبوعيا من 3 أصناف، هي الطماطم والبطيخ والشمام، مشيرا إلى أن فريقه يعمل على توفير الطماطم في جميع فصول السنة.
إقبال جيد وأسعار رخيصة
مع أن المواطن الموريتاني يعاني من ارتفاع مذهل في أسعار المواد الغذائية، فإنه يتنفس الصعداء عندما يتجه إلى سوق الخضار.
حيث تشهد المنتجات الزراعية المحلية إقبالا جيدا من المستهلكين خلال الفترة الحالية مقارنة بالسنوات الماضية، ويفضلها البعض لأنها أرخص وطبيعية وخالية من المواد الحافظة.
ويتراوح سعر الكيلو من أغلب أصنافها حاليا ما بين 7 إلى 14 أوقية، بينما تصل الطماطم إلى 20 أوقية، أي أن سعر أغلب الأصناف لا يتجاوز (نصف دولار)، هذا في الوقت الذي يتخطى فيه سعر المستورد حاجز دولار واحد، ولا يتوقع الباعة هنا ارتفاعها مع حلول شهر رمضان المبارك ما دام المنتوج المحلي متوفرا، لأنه يضفي توازنا في السوق حسب تعبيرهم. (الدولار يعادل 36.4 أوقية)
ويعتبر المتسوقون أن الكميات المحلية الواردة من الطماطم والجزر والبطاطس لا تسد حاجة السوق بالقدر الكافي، وهو ما جعلها معرضة لأن يرتفع سعرها مع حلول شهر رمضان.
وأوضح عالي محمد -تاجر خضروات في أطراف العاصمة- أن منافسة المنتج المحلي بقوة في السوق وزيادة حجم الإقبال عليه من شأنهما أن يدفعا بأسعار المنتجات المستوردة إلى الانخفاض، وهو “ما يصب في مصلحتنا كتجار إذ سنحصل على السلعة بأسعار أقل ومناسبة، وسيستفيد أيضا المستهلك الذي سيجد نفسه أمام خيارات شرائية عديدة”.
وعبر عالي عن سعادته بوفرة المواد المحلية في السوق، مؤكدا أهميتها وضرورة تعزيز وجودها في الأسواق وزيادة كمياتها.
تحديات وكساد
لا يتمكن المزارعون المحليون هنا من بيع منتجاتهم كلها، بل إن الكثير منها يفسد، وهو ما جعل البعض منهم يضطر للتخلص منها بأثمان رخيصة.
ويقول رئيس الاتحادية العامة لمزارعي موريتانيا محفوظ خيرها للجزيرة نت “بعد أن كان المزارعون في مقاطعة كرمسين وحدها مثلا يزرعون مساحة 70 هكتارا من البصل و50 هكتارا من الطماطم ومثلها من أصناف أخرى، لوحظ أن المسافات تتقلص فترة بعد فترة بسبب عدم توفر الآلات المتطورة وكثرة التكاليف وقلة المردودية”.
وأضاف أن المزارعين يخسرون 50% من منتوجهم حتى في السوق بعد تحمل تكاليف نقله، ونبه إلى ضرورة إنشاء وحدات تبريد كبرى لحفظ وصيانة الخضروات، مطالبا بحماية المنتج المحلي بمنع استيراد بعض المواد المتوفرة محليا بكثرة، ليتمكن المزارع من مواصلة الإنتاج.
مخاوف رغم المكاسب
في حديثه للجزيرة نت لا يخفي خليل ولد خيري الأمين العام لمنتدى المستهلك الموريتاني (منظمة غير حكومية) خشيته من إمكانية تعثر تزويد السوق بالخضار مع دخول شهر رمضان، ذروة الاستهلاك العام، خصوصا أن المغرب -المورد الرئيس- يشهد أزمة جفاف وندرة في المياه، وأن المجال الزراعي في موريتانيا لم يشهد استثمارات كبيرة، وإنما شهد بوادر ومحاولات ما زالت في البداية ولا يمكن أن يعول عليها على الأقل في هذا العام.
ولا يعتقد خليل خيري أن الكميات التي تصل من المنتوج المحلي ستتحكم في الأسعار، نتيجة لغياب الرؤية والعشوائية في التزويد.
ويقول “ليس هناك تخطيط ولا تنسيق بين المزارعين والجهات المعنية، بجانب غياب التخصصية لذلك تجد المادة الواحدة تغص بها السوق نتيجة للمحصول الزائد منها، ونقص حاد في مواد أساسية أخرى”.
ويطالب المستهلكون بتعزيز الجهود من أجل دعم المنتج المحلي وتنظيم قطاع الزراعة ليتلاءم مع متطلبات السوق التي بحاجة للتنويع، وأن لا يكون التركيز على عنصر واحد حتى لا يخسر المزارع و حتى يوفر للمستهلك جميع حاجاته.