ـ “عملنا يُبعدنا عن الأسرة والأحباب”.. بهذه العبارة تعبر الطبيبة المقيمة في تخصص أمراض النساء والتوليد، وإحدى المشاركين في اعتصام داخل مبنى وزارة الصحة فاطمة بنت الراجل، عن صعوبة عمل الأطباء المقيمين في مختلف التخصصات.
تتحدث بنت الراجل بملامح تبدي الأسى على واقع قطاع الصحة وظروف الأطباء المقيمين الذين اضطروا للاعتصام والإضراب عن الطعام منذ نحو 20 يوما على التوالي، بسبب ما تصفه تصامم الوزارة عن «أبسط» مطالبهم المشروعة.
نصف عمر
تقول بنت الراجل إن نصف عمرها مضى في المكابدة من أجل التحصيل العلمي وخدمة قطاع الصحة، مضيفة أنها اصطدمت بواقع مرير وتجاهل مقصود من طرف الوزارة الوصية.
وتوضح أن الطبيب المقيم يبدأ مساره المهني كطبيب عام بتكوين يمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر في تخصصه، وبعدها تسند إليه كافة الحالات المستعجلة الاختصاصية، فضلا عن الاستشارات والعمليات الأخرى غير المستعجلة التي يسند للأطباء المقيمين دور هام فيها.
لكن هؤلاء الأطباء الذين قضوا نحو نصف أعمارهم في التحصيل العلمي وجدوا أنفسهم مضطرين ـ حسب بنت الراجل ـ إلى خوض حراك احتجاجي منذ شهر سبتمبر 2023 بعد «مماطلة» وزارة الصحة في توفير مطالب يعتبرونها «أبسط الحقوق» مقارنة بنظرائهم في دول الجوار.
وأبعد من ذلك ترى بنت الراجل ومجموعة الأطباء المعتصمين أن نظراءهم في دول لا موارد لديها وأنهكتها الحروب يحصلون على امتيازات أفضل، في حين تصل ميزانية موريتانيا لهذا العام 1080 مليار أوقية.
إضراب متدرج
تضيف فاطمة أن الإضراب الأول استمر عشرة أيام ليتم تعليقه بعد توقيع اتفاق مع الوزارة بوساطة وضمان من رئيس سلك الأطباء الموريتانيين، لكن المضربين تفاجأوا بأنهم ومنذ توقيع اتفاق تعليق إضراب سبتمبر إلى شهر إبريل من العام الجاري لم يجدوا تفاعلا مرضيا.
ولفتت إلى أن رئيس السلك أبلغهم أن وزيرة الصحة لم تعد ترد على رسائله، مما اضطرهم إلى استئناف الحراك الاحتجاجي الذي بدأ بوقفات، ثم إيداع إخطار قبل الإضراب،ب45 يوما لدى كافة المصالح الاستشفائية؛ثم الدخول في إضراب جزئي.
وحسب بنت الراجل فإن المضربين قوبلوا بـ «التجاهل المعهود»، ما اضطرهم للشروع في الإضراب الجزئي الذي لا يشمل الحالات المستعجلة، واصفة معاملة الشرطة لهم بأنها «قمع غير مبرر».
الاعتصام المفتوح
تقول بنت الراجل إنه وبعد ذلك بثلاثة أسابيع «وفي ظل عدم التجاوب» ورغم أن الاحتجاج سلمي، فقد ووجهوا «بالقمع غير المبرر» وهم يلبسون السترة البيضاء المقدسة، ولم يعد من خيار سوى الإضراب الشامل الذي من ضمنه الامتناع عن الحالات المستعجلة.
وتشير إلى أن الإضراب أثر سلبا على المستشفيات بشكل كبير، رغم أن الوزارة والحكومة تحاول التغطية على «النقص الكارثي وتكدس المرضى في الطوابير أمام الاستشارات الطبية»، وفق تعبيرها.
وأمام حالة «التجاهل» وصل الأطباء المقيمون إلى المحطة الأخيرة وهي الاعتصام المفتوح بالطابق الأرضي لمبنى وزارة الصحة، وهو ما تطور إلى إضراب عن الطعام تسبب في تدهور الحالة الصحية لبعض المضربين الذين نقلوا إلى الحالات المستعجلة.
وعن المفاوضات مع المشاركين في الاعتصام تقول بنت الراجل إن ما يجري حاليا مجرد محاولات لاحتواء الأزمة دون ضمانات، وهو ما يرفضه الأطباء المقيمون المطالبون بضمانات جدية لتلبية مطالبهم.