تباينت آراء الناس بين مؤيد للسلطات على نجاحها في عملية إنقاذ “شبو”
و منتقد لها على التراخي في تنفيذ العملية.
والذي يظهر لي انه ينبغي الفصل بين مسألتين:
الأولى: ضعف الإمكانات والتجهيزات المتوفرة لدى السلطات المحلية التي يمكن ان تعين على انجاح عملية الإنقاذ.
الثانية: استنفار الجهود واستخدام كل الوسائل المتاحة من أجل تحقيق عملية الإنقاذ.
أما بالنسبة للمسالة الأولى فإن ضعف الامكانات ووسائل الانقاذ لدى السلطات المحلية امر ملاحظ لا يمكن أنكاره وهو مثل الضعف في سائر الخدمات التي فيها نقص فينبغي ان تسعى الحكومة دائما الى تطويرها وتحسينها.
واما بالنسبة للمسالة الثانية فإن السلطات المحلية والسلطات المركزية لم تدخر جهدا واستخدمت كل الوسائل المتاحة التي يمكن ان تعين على انجاح العملية.
ومن استوعبت محاولاته كل المتاح فلا حرج عليه ولا جناح..
اذن فوجود الضعف في الإمكانات لا يعني بالضرورة وجود التفريط والتقصير ..
بل إن السلطات المحلية كانت في عين المكان طيلة الوقت ولم تدخر جهدا في تكرار المحاولات؛ وحتى عملية الإنقاذ من خلال الطائرة لم تكن عملية سهلة بسبب قوة المياه الجارفة؛ وكانت لحظة محاولة التحام جندي الأنقاذ بالفتى هي اللحظة التي تجمدت عندها العروق وبدى الحاضرون للمشهد كأنهم سكارى ..
لقد كانت عملية ناجحة بكل المقاييس وينبغي أن يُكَرّم فريق الإنقاذ الذي قام بهذه العملية.
والإنجاز مع ضعف الإمكانات أمر يستحق الإشادة والتّنْويه..
وأما التدخل المتأخر للسلطات المركزية فقد كان من أسبابه ضعف شبكة الاتصال طيلة النهار ولان سكان المنطقة والسلطة المحلية كانت جهودهم منصبة حول تكرار المحاولات
ولم يلجؤوا الى السلطة المركزية الا بعد فشل كل المحاولات.
وحتى لو افترضنا وجود بعض التقصير فإن نجاح العملية يَجُبُّ ما قبله..
فقد كان نجاح الحكومة في انقاذ هذا الطفل انجازا مهما..
يتعيّن تثمينه ولا ينبغي ان نقول لمن قام به : بئس ما صنعت!
او أن نَجْزِيَه جزاء سِنِمّارْ!
فنكون كما قال ابن الظريف:
جزتنا بنو سعد بحسن صنيعنا
جزاء سنمار وما كان ذا ذنب .
ومن المهم التنبيه الى أن عملية الانقاذ هذه-اثناء القيام بها على الاقل- كانت خالية من التوظيف السياسي حيث لم تقم الحكومة بإرسال فريق مع الطائرة للتصوير او للتغطية المباشرة من عين المكان؛ بل كانت جهودها محصورة في كيفية تحقيق نجاح العملية.
والبعض يقول : لو كانت الحادثة في غير منطقة الرئيس لما حدثت استجابة لها على هذا النحو ..
وفي الوقت نفسه يتهم الحكومة بالتأخر في الإنقاذ !
وهذا تناقض !
فإن المحاباة والتأخر في القيام بالمهمة لا يجتمعان !
من المطلوب شرعا العدل في المعارضة ؛بان يعترف الشخص بفضل من يعارضه ويقر بما لديه من حق وصواب؛ ويعترف بأهمية ما حقق من إنجازات..
وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة8].
والعدل مطلوب حتى مع الشيطان؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لابي هريرة لما حدثه الشيطان عن فضل آية الكرسي :(صدقك وهو كذوب).
وكان العدل مع المخالفين هو دأب الصحابة والسلف..
فها هي عائشة رضي الله عنها لا يمنعها خصمها الذي قتل أخاها أن تقول قول الحق؛ فعن عبد الرحمن بن شماسة قال: دخلت على عائشة فقالت: ممن أنت؟ قلت: من أهل مصر، قالت: كيف وجدتم ابن خديج في غزاتكم هذه؟ قلت: خير أمير؛ ما يقف لرجل منا فرس ولا بعير إلا أبدل مكانه بعيرًا ولا غلامٌ إلا أبدله مكانه غلامًا قالت: إنه لا يمنعني قتله أخي أن أحدثكم ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني سمعته يقول: “اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَشُقَّ عَلَيْهِ”.والقصة أوردها الذهبي في سيره 3/38
والإمام أحمد بن حنبل يسأله إسماعيل بن إسحاق السراج: عن بعض كلام الحارث المحاسبي _وكان يرى في منهجه شيئا من الابتداع_
فقال أحمد: ما رأيت أحدًا يتكلم فى الزهد مثل هذا الرجل، وما رأيت مثل هؤلاء ومع هذا لا أرى لك أن تجتمع بهم!”.
ان نجاح هذه العملية نصر للجميع؛ وينبغي ان يكون محل تأييد من طرف الجميع.